تعريف الخطبة وشروطها،تعريف عقد الزواج وأركانه

لائحة المراجع المعتمدة:
-مدونة الأسرة.
-قانون الإلتزامات والعقود.
--كتاب الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة للدكتور محمد الشافعي.

المطلب الأول: الخطبة:

الفقرة الأولى: تعريف الخطبة:

عرفت مدونة الأسرة الخطبة في المادة الخامسة بقولها:
"الخطبة تواعد رجل وامرأة على الزواج . 
تتحقق الخطبة بتعبير طرفيها بأي وسيلة متعارف عليها تفيد التواعد على الزواج، ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت العادة والعرف من تبادل الهدايا".
يتبين من التعريف ما يلي:
-يؤكد هذا التعريف على أن الخطبة هي اتفاق مبدئي بين الطرفين على الزواج في المستقبل.
-يشير هذا التعريف إلى أن الخطبة لا تتطلب شكلا معينا، بل يمكن أن تتم بأي وسيلة متعارف عليها في المجتمع، سواء كانت قولية أو فعلية، طالما أنها تدل على الإتفاق على الزواج.
-هذا التعريف يوضح أن بعض العادات والتقاليد، مثل قراءة الفاتحة وتبادل الهدايا، تعتبر جزءا من الخطبة وعرفا اجتماعيا مرتبطا بها.
-يشير التعريف كذلك إلى مبدأ المساواة بين الطرفين بين الرجل والمرأة في هذا الأمر حيث أن الخطبة تواعد وليست وعدا فقط من طرف واحد.
-الخطبة تتم بالإتفاق بين الخاطب والمخطوبة هذا يعني أن الخطبة لا يمكن أن تتم إلا بموافقة الطرفين، مما يعزز مبدأ المساواة بينهما.

الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية للخطبة:

-الخطبة عبارة عن إتفاق على إنشاء رسم الزواج في المستقبل وهذا يشير إلى أن الخطبة ليست هي الزواج، بل هي مجرد اتفاق على إبرام عقد الزواج في المستقبل.
-لا يترتب عليها آثار الزواج القانونية، مثل الحقوق والواجبات الزوجية.
بشكل عام، يظهر التعريف أعلاه أن الخطبة هي مرحلة مهمة في العلاقة بين الرجل والمرأة، وهي تعكس مبادئ المساواة والإتفاق المتبادل بين الطرفين. كما أنها تعتبر تمهيدا للزواج، ولكنها لا تحمل نفس الآثار القانونية للزواج.

الفقرة الثالثة: شروط الخطبة:

الشرط الأول : يجب أن تكون المرأة صالحة لأن يعقد عليها في وقت الخطبة:

والمقصود بهذا الشرط هو أنه لا يجوز للرجل خطبة المرأة المحرمة سواء كانت محرمة تحريما مؤبدا أو مؤقتا. 
لا يجوز له أن يخطب أمه أو أخته أو بنته أو خالته، لأنهن محرمات حرمة مؤبدة. كما لا يجوز له أن يخطب امرأة في عصمة زوج آخر ولا مشركة ولا معتدة ما دام سبب التحريم قائما، فإذا زال سبب التحريم كما لو أسلمت المشركة، أو طلق الزوج زوجته وانقضت عدتها، فإنه تجوز الخطبة.
أ-المقصود بالمرأة المعتدة:
ويقصد بالمعتدة المرأة التي في فترة العدة، بحيث وقعت الفرقة بينها وبين زوجها بسبب انفصالها عن الزوج أو بسبب وفاته. ففي هذه الحالة لا يجوز للرجل أن يخطب معتدة الغير مطلقا، سواء كانت معتدة بالوفاة أو الطلاق، رجعيا كان أم بائنا.
=المعتدة من طلاق رجعي:
لا يجوز خطبة امرأة معتدة من طلاق رجعي لأنها زوجة الغير. فالطلاق الرجعي لا ينهي العصمة الزوجية ولا يفصم عراها، وإنما يكون من حق الزوج أن يراجع زوجته في فترة العدة دون حاجة إلى أي إجراء آخر. فالخطبة في هذه الفترة تعتبر اعتداءً صريحا على حق الزوج في مراجعة زوجته.
=المعتدة من طلاق بائن:
تحرم خطبة المعتدة من طلاق بائن لأنه تعلق بها بعض الحقوق المكتسبة للغير، وهذا متفق عليه بين الفقهاء. ولكن الخلاف حول التعريض بالخطبة بالنسبة للمعتدة من الطلاق البائن، أي إشعارها قولا أو فعلا بالرغبة في خطبتها مستقبلا بعد انتهاء العدة، كأن يطلب الرجل من المعتدة بأن تخبره عند إنتهاء العدة، أو يسألها عن تاريخ إنتهائها وما إلى ذلك من العبارات التي يفهم منها التلميح للمعتدة بأنه يريد خطبتها بعد نهاية العدة، وتفهم هي ذلك على سبيل الإحتمال وليس اليقين. 
ولذلك اختلف الفقهاء في إمكان التعريض بخطبة المعتدة من طلاق بائن:
-المذهب الحنفي:
ذهب الحنفية إلى أن المعتدة من طلاق بائن لا يجوز التعريض بخطبتها، واستدلوا على ذلك بأن مثل هذا التعريض قد يفتح الباب أمام المرأة لإدعاءات كاذبة بأن عدتها قد انتهت بمجرد سماعها التعريض. كما أن هذا الأمر يقطع الطريق على المطلق الذي له الحق في الطلاق البائن بينونة صغرى في إرجاع زوجته.
-المذهب المالكي والحنابلة:
أما المالكية والحنابلة، فإنهم وإن منعوا خطبة المعتدة من طلاق بائن، فإنهم أجازوا التعريض بهذه الخطبة لعموم قوله تعالى: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾.
-المذهب الشافعي:
أما الشافعية فلهما قولان أحدهما يوافق الحنفية في المنع من التعريض، والثاني يوافق المالكية والحنابلة في قولهم بإجازة التعريض.
-الفقه القانوني المعاصر:
ذهب الفقه القانوني المعاصر إلى أنه يجب النظر إلى طبيعة الطلاق البائن، هل هو بائن بينونة كبرى أم بينونة صغرى، فالطلاق البائن بينونة كبرى هو الطلاق المكمل للثالث، تنفك به العلاقة الزوجية نهائيا، ولا تحل للزوج الأول إلا بعد أن تتزوج زوجا آخر، في هذه الحالة يجوز التعريض في فترة العدة ما دامت عرى الزوجية انفصلت تماما. أما الطلاق البائن بينونة صغرى فهو ينهي العلاقة الزوجية، ولكنه لا يفصم عراها، بل يمكن للزوجين مراجعة بعضهما البعض والعودة لإستئناف الحياة الزوجية بعقد ومهر جديدين، ولذلك لا يجوز التعريض في هذه الحالة.
=المعتدة من وفاة:
اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز التصريح بخطبة المرأة المعتدة من وفاة، لأن ذلك يولد العداوة والحقد والضغينة بين الخاطب وأهل الزوج المتوفى، كما أن ذلك قد يزيد من ألم الزوجة، ويجرح إحساسها وشعورها وهي حديثة العهد بفراق زوجها، ولكن هذه الإعتبارات في جوهرها إعتبارات أدبية فقط، والعدة ستنتهي حتما بانقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى أباح في هذه الفترة التعريض بالخطبة دون التصريح بها، وفي ذلك يقول عز وجل: ﴿وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا﴾.   

الشرط الثاني: يجب ألا تكون المرأة مخطوبة للغير:

مفهوم هذا الشرط هو أنه لا يجوز للرجل خطبة إمرأة مخطوبة للغير ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته" وقوله صلى الله عليه وسلم "المؤمن أخ المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر".
وهذه الحالة لا تخلو من الإحتمالات الآتية:
=أن تجد الخطبة الأولى القبول والترحاب، فالخطبة الثانية في هذه الحالة تكون محرمة بلا نقاش وتنطبق عليها النصوص السابقة، فالخطبة الثانية هنا إعتداء واضح على حق الخاطب الأول.
=أن ترفض الخطبة الأولى وبعد هذا الرفض يتقدم خاطب آخر، فالخطبة الثانية هنا جائزة باتفاق.
=حالة التردد بين القبول والرفض، ولقد اختلف الفقهاء في هذه الحالة، فذهب رأي في الفقه إلى أنه لا يحل للخاطب الثاني أن يتقدم لأنه يجوز أن يكون هناك قبول، فللخاطب الأول بعض الحق، إذ قد تقبل خطبته لو لم يتقدم الخاطب الثاني، وبالتالي فالحكمة من المنع ظاهرة وهي عدم التعدي على حقوق الغير، وذهب فريق آخر من الفقهاء إلى إباحة خطبة الثاني لأن عدم إظهار القبول بالنسبة للأول دليل على رفض الخطبة، أو على الأقل لم يثبت له حق.

المطلب الثاني: عقد الزواج:

الفقرة الأولى: مفهوم عقد الزواج:

طبقا لمقتضيات المادة الرابعة من مدونة الأسرة فالزواج هو عبارة عن ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة وذلك على وجه الدوام، والغاية منه الإحصان والعفاف، وإنشاء أسرة مستقرة تحت رعاية الزوجين وطبقا لأحكام هذه المدونة.

الفقرة الثانية: أركــان عقــد الــزواج: 

حددت مدونة الأحوال الشخصية التي تم الغائها أركان عقد الزواج في ركنين أساسيين وهما الإيجاب والقبول.

أولا: مفهوم الإيجاب والقبول:

أشارت المادة العاشرة من مدونة الأسرة الى ما يلي:"ينعقد الزواج بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة أو عرفا.
ويصح الإيجاب والقبول بالكتابة من العاجز عن النطق إن كان يكتب، وإلا فبالإشارة المفهومة من الطرف الآخر ومن الشاهدين".
1-مفهوم الإيجاب:
هو ما صدر أولا من أحد المتعاقدين للدلالة على إرادة إنشاء عقد الزواج ورضاه به.
2-مفهوم القبول:
هو ما صدر ثانيا من العاقد الآخر للدلالة على موافقته ورضاه بما أوجبه الأول.
يتبين من خلال تعريف الايجاب والقبول أن من صدر منه القول أو الفعل أولا سمي موجبا،ومن كان منه القبول سمي قابلا.
فالأصل في الإيجاب والقبول أن يكونا باللفظ، إلا في حالة العجر عنه فإنهما يتحققان بالكتابة أو الإشارة.
ولقد اختلف الفقهاء في الألفاظ والصيغ التي ينعقد بها عقد الزواج، فبالنسبة للإيجاب اتفق الفقهاء على انعقاد الزواج بلفظ الزواج وما اشتق منه من أقوال"كزوجتك ابنتي".
أما بالنسبة للقبول فلا يشترط فيه لفظ معين، بل يتحقق بأي لفظ يدل على الرضا والموافقة "كقبلت ورضيت".
وتجدر الإشارة الى أن حضور المتعاقدان في مجلس العقد، وقادرين على التعبير بما يفيد الإيجاب والقبول، فلا يجوز العدول عن اللفظ إلى الكتابة والإشارة إلا للضرورة أو وجود عذر حقيقي.
فإذا تحقق العذر فإن عقد الزواج ينعقد بالكتابة أو الإشارة المفهومة من الطرف الآخر ومن الشاهدين.
أما إذا لم يكن المتعاقدان في مجلس واحد، فإن العقد ينشأ صحيحا بالكتابة أو المراسلة، شريطة قراءة الخطاب المكتوب على الشاهدين وقبول الزواج أمامهما.
ومثال ذلك أن يكتب رجل إلى امرأة رسالة يقول فيها تزوجتك على صداق قدره كذا، فإذا وافقت المرأة وقرأت الخطاب على الشاهدين وأخبرتهما بما جاء فيه تحقق الزواج.
والملاحظ أن الزواج بالمراسلة أو التعبيرعن الإيجاب والقبول بالرسائل المكتوبة قد أهملته المدونة، وفي ظل النصوص الحالية لا يمكن أن يتم إبرام عقد الزواج بالمراسلة أو عن طريق رسول أو وسيط، لأن المدونة  تشترط أن يكون الإيجاب والقبول أمام شاهدين عدلين في مجلس واحد.

ثانيا: شروط الإيجاب والقبول:

لقد حددت المادة 11 من مدونة الأسرة شروط الإيجاب والقبول بقولها:"يشترط في الإيجاب والقبول أن يكونا:
-شفويين عند الإستطاعة وإلا فبالكتابة أو الإشارة المفهومة.
-متطابقين وفي مجلس واحد.
-باتين غير مقيدين بأجل أو شرط واقف أو فاسخ".
يستشف من خلال هذه المادة أن الإيجاب والقبول يتحققان شفويا عند الإستطاعة وإلا فالبكتابة أو الإشارة المفهومة، وأن يكونا متطابقين وفي مجلس واحد أي أن يعلن القابل موافقته على الإيجاب كما عرضه الموجب عليه دون رفض أو زيادة أو نقصان أو إضافة.
أما إذا خالف القبول الإيجاب لم ينعقد الزواج، وتطبق القواعد العامة المنصوص عليها في المادة 27 من قانون الإلتزامات والعقود التي تنص على أن:"الرد المعلق على شرط  أو المتضمن لقيد، يعتبر بمثابة رفض للإيجاب يتضمن إيجابا جديدا".
أما فيما يخص المجلس الواحد، فيتحقق بالحيز المكاني الواحد الذي يجتمع فيه الطرفان، ويقدم أحدهما إيجابه والثاني قبوله أمام الشاهدين العدلين، ودون أن يفصل بينهما ما يعتبر في العرف إعراضا عن الإيجاب ورفضا له، كالخوض بين الإيجاب والقبول في حديث أجنبي عنهما واستنادا لهذا الشرط لا يمكن أن ينعقد الزواج في بلادنا عن طريق تقنيات التواصل الحديثة كالهاتف والفاكس والأنترنت. والشرط الثالث أن يكون الإيجاب والقبول باتين غير مقيدين بمعنى نهائيين غير مقرونين بشرط أو أجل واقف أو فاسخ، وعدم التعليق على شرط  أو أجل يعني عدم الإضافة إلى زمن مستقبل، وعدم التعليق على شرط غير واقع في الحال، لأن الشرط واقعة مستقبلية غير محققة الوقوع، يعلق على حدوثها، إما وجود الإلتزام فيكون الشرط واقفا، وكمثال على ذلك: (تعليق انعقاد الزواج على عثور الزوج على عمل)، وإما زواله فيكون الشرط فاسخا وكمثال على ذلك: (تعليق انتهاء الزواج على هجرة أحد الزوجين إلى الخارج، أو تعليق انتهائه على ميلاد طفل بين الزوجين)، فعقد الزواج إما أن ينجز حالا أو لا يتحقق أصلا. أما الأجل فهو أمر أو واقعة مستقبلية محققة الوقوع  سواء عرف وقت حدوثها كانتهاء شهر مثلا، أو لم يعرف كوفاة شخص مثلا، ويعلق على حدوثه أحد الأمرين، إما وجود الإلتزام فيكون الأجل واقفا، وكمثال على ذلك (تعليق انعقاد الزواج على انتهاء سنة أو وفاة شخص)، وإما زوال الإلتزام فيكون الأجل فاسخا وكمثال على ذلك انتهاء الزواج بانتهاء سنة أو وفاة شخص).
ويرجع سبب اشتراط البت في العقد بدون التقيد بأجل واقف أو فاسخ، يكمن في أن الزواج المقيد بأجل إما أن يكون زواج متعة أو زواج تحليل، وهما من الأنكحة المحرمة.
أما اشتراط البت في العقد بدون التقيد بشرط واقف أو فاسخ، فلأن الغاية من الزواج الدوام والإستمرار، فلا يقبل الوقف ولا الفسخ  وكل شرط يؤدي إلى ذلك لا يجوز.
وطبقا للمادة 47 من المدونة فالشرط والأجل الواقفان أو الفاسخان من الشروط المخالفة لأحكام عقد الزواج، تبطل عند وجودها ويصح العقد، لأن كل الشروط المخالفة لأحكام عقد الزواج ومقاصده تعتبر باطلة والعقد صحيح.
أما شرط التأبيد في عقد الزواج فيعني أن تكون الصيغة مؤبدة غير مؤقتة ومن هنا ذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم زواج المتعة والزواج المؤقت لأنهما يتنافيان مع مقتضيات عقد الزواج الشرعي.

ثالثا: الإيجاب والقبول المشوبين بعيب من عيوب الرضا:

جاء في المادة 12من مدونة الأسرة ما يلي:"تطبق على عقد الزواج المشوب بإكراه أو تدليس الأحكام المنصوص عليها في المادتين 63 و66 بعده".
وحسب مقتضيات الفصل 39 من قانون الإلتزامات والعقود فالإكراه والتدليس بالإضافة إلى الغلط تعتبر من عيوب الرضا، وقد رتب المشرع على وجود عيب من هذه العيوب في إرادة أحد المتعاقدين قابلية العقد للإبطال.
ولقد تحدثت مدونة الأسرة على الأحكام المطبقة في حالة وجود الإكراه أو التدليس، إذ خولت للطرف المكره أو المدلس عليه من الزوجين بوقائع كانت هي الدافع إلى قبول الزواج، أن يطلب فسخ الزواج قبل البناء وبعده، وذلك داخل أجل لا يتعدى شهرين من يوم زوال الإكراه، أو من تاريخ علمه بالتدليس، مع حقه في طلب التعويض.
ومن هنا يتبين أن الإكراه يعيب الرضا، وفي مجال الزواج والطلاق ذهب جل الفقهاء إلى عدم جواز إكراه أحد الزوجين للآخر على الزواج به، أو إكراهه على توقيع الطلاق عليه.
وهذا ما أخذت به مدونة الأسرة، بحيث سمحت للطرف المتضرر من الإكراه، أن يطلب من المحكمة فسخ عقد الزواج خلال شهرين من تاريخ زوال مصدر الإكراه، مع إمكانية المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي قد ينجم عن هذا الإكراه طبقا للمادة 63 من المدونة.
وكذلك الأمر بالنسبة للتدليس الذي يمارسه أحد الزوجين لإخفاء عيب عن الزوج الآخ، فهو يخول للطرف المتضرر من التدليس حق المطالبة بفسخ عقد الزواج كما تقضي بذلك مدونة الأسرة في المادة 12 التي تحيل على المادة 63 و66، داخل أجل شهرين من تاريخ العلم بالتدليس، مع إمكانية المطالبة بالتعويض.
ولم تتحدث مدونة الأسرة عن عيب الغلط لأن التدليس في الغالب لا يقوم إلا والغلط قائم أيضا.

المطلب الثالث: أبرز المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة المغربية:

الفقرة الأولى :فيما يخص التعدد:

أولا: اشتراط عدم التعدد في عقد الزواج:

1-حق الزوجة في الإشتراط:
يحق للزوجة أن تشترط في عقد الزواج عدم زواج زوجها عليها بزوجة أخرى.
كما يجب على الموثق استطلاع رأي الزوجة حول هذا الشرط وتسجيله في عقد الزواج.
2-أثر الإشتراط:
-إذا اشترطت الزوجة عدم التعدد، فإن هذا الشرط يصبح ملزما للزوج.
-لا يجوز للزوج الزواج بزوجة أخرى طالما أن الشرط قائما.
-إذا قام الزوج بالتعدد رغم شرط الزوجة، يكون للزوجة الحق في طلب التطليق للضرر.

ثانيا: التعدد في حالة عدم الإشتراط:

1-شروط التعدد:
إذا لم تشترط الزوجة عدم التعدد، فإن التعدد يصبح ممكنا، ولكن بشروط محددة وهي:
-يجب على الزوج الحصول على إذن من المحكمة للتعدد.
-يجب على الزوج إثبات وجود مبرر شرعي للتعدد، مثل:
=العقم الذي يصيب الزوجة الأولى.
=مرض الزوجة الأولى الذي يمنع المعاشرة الزوجية.
=أسباب أخرى تقدرها المحكمة: تقوم المحكمة بتقدير مدى جدية المبرر الذي يقدمه الزوج للتعدد. وتأخذ المحكمة في الإعتبار مصلحة الأسرة، وحقوق الزوجة الأولى والأبناء.
2-مسطرة الإذن بالتعدد:
يجب على الزوج أن يقدم طلبا إلى المحكمة للحصول على إذن بالتعدد.
وتقوم المحكمة بالإستماع إلى الزوجة الأولى، والتأكد من موافقتها أو عدم موافقتها على التعدد. كما تتأكد المحكمة من قدرة الزوج على العدل بين الزوجات في حالة التعدد.
خلاصة:
-يهدف القانون المغربي إلى تنظيم مسألة التعدد، وحماية حقوق الزوجة الأولى والأبناء.
-يتم التعامل مع التعدد بحذر شديد، ولا يتم السماح به إلا في حالات استثنائية.
-يعتبر التعدد في المغرب مقيد بشروط صارمة، وذلك لضمان عدم الإضرار بالأسرة.

الفقرة الثانية: فيما يخص النيابة والحضانة والإرث:

أولا: النيابة القانونية:

1-النيابة المشتركة:
أصبحت النيابة القانونية حقا مشتركا بين الزوجين، سواء أثناء العلاقة الزوجية أو بعد الإنفصال.
ويهدف هذا التعديل إلى تعزيز المساواة بين الزوجين في رعاية الأبناء.
2-في حالة وجود الخلاف على النيابة:
في حالة وجود خلاف بين الزوجين حول أعمال النيابة القانونية، يتم اللجوء إلى قاضي الأسرة للفصل في النزاع. ويتم ذلك وفق ضوابط قانونية محددة تهدف إلى تحقيق مصلحة الأبناء.

ثانيا: الحضانة:

1-الحضانة المشتركة:
أصبحت الحضانة حقا مشتركًا بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية.
ويمكن تمديد هذا الحق بعد الطلاق في حالة اتفاق الطرفين على ذلك.
2-حق الأم المطلقة:
لقد تم تعزيز حق الأم المطلقة في حضانة أطفالها، حتى في حالة زواجها. وتم أيضا ضمان حق المحضون في السكن.
كما تم تنظيم ضوابط جديدة لزيارة المحضون والسفر به، بما يضمن مصلحة الطفل.

ثالثا: الإرث:

1-إرث البنات:
لقد تم اعتماد مقترح المجلس العلمي الأعلى بخصوص إرث البنات.
ويتيح هذا المقترح إمكانية هبة الأموال للوارثات قيد الحياة، مع اعتبار الحيازة الحكمية كافية.
2-الوصية والهبة بين الزوجين:
تم فتح المجال أمام الوصية والهبة بين الزوجين عند اختلاف الدين.
وهذا التعديل يهدف إلى تنظيم الوضعيات التي يكون فيها الزوجين من ديانتين مختلفتين.

رابعا: أهمية هذه التعديلات:

تتجلى أهمية هذه التعديلات فيما يلي:
-تهدف هذه التعديلات إلى تحقيق المساواة بين الزوجين في الحقوق والواجبات.
-تهدف إلى حماية مصلحة الأبناء في جميع الظروف.
-تهدف إلى تنظيم مسائل الإرث والحضانة بشكل عادل ومنصف.
-تهدف إلى مواكبة التغيرات المجتمعية، وتوفير حلول قانونية للمشاكل الأسرية.

الفقرة الثالثة: تزويج القاصر:

أولا: تحديد سن الزواج:

تم تحديد سن الزواج للفتى والفتاة في 18 سنة شمسية كاملة.
ويهدف هذا التحديد إلى حماية القاصرين من الزواج المبكر، وتوفير الفرصة لهم لإكمال تعليمهم وتنمية قدراتهم.

ثانيا: الإستثناءات:

رغم تحديد سن الزواج إلا أن هناك استثناء يسمح بالزواج في سن 17 سنة، ولكن بشروط صارمة.
ويتم اللجوء إلى هذا الإستثناء في حالات الضرورة القصوى، وبعد الحصول على إذن من القضاء.

ثالثا: الرقابة القضائية:

تم تعزيز الرقابة القضائية للتأكد من أن الإستثناء يبقى ضمن إطار الحالات الضرورية فقط. ويتم ذلك من خلال:
-تحديد شروط صارمة يجب توفرها لإصدار الإذن بالزواج.
-التأكد من أن الزواج يحقق مصلحة القاصر.
-إجراء بحث اجتماعي وطبي للتأكد من قدرة القاصر على تحمل مسؤولية الزواج.
تطبيق هذه الشروط يضمن بقاء الإستثناء ضمن دائرة الإستثناء، وعدم تحوله إلى قاعدة.

رابعا: أهمية هذه التعديلات:

تتجلى أهمية هذه التعديلات فيما يلي:
-تهدف هذه التعديلات إلى حماية القاصرين من الزواج المبكر، الذي يمكن أن يكون له آثار سلبية على صحتهم وتعليمهم ومستقبلهم.
-تهدف إلى ضمان أن يكون الزواج مبنيا على الرضا الكامل والوعي بالمسؤوليات المترتبة عليه.
-تهدف إلى مواكبة التغيرات المجتمعية، وتوفير حماية قانونية أكبر للقاصرين.

الفقرة الرابعة: الخطبة والزواج:

أولا: توثيق الخطبة:

أصبح من الممكن توثيق الخطبة بشكل رسمي، مما يمنحها اعترافا قانونيا.
ويهدف هذا التعديل إلى حماية حقوق الطرفين خلال فترة الخطوبة.

ثانيا: إثبات الزوجية:

تم اعتماد عقد الزواج كقاعدة أساسية لإثبات الزوجية.
مع توضيح الحالات الإستثنائية التي يمكن فيها سماع دعوى الزوجية، وذلك لضمان عدم وجود حالات زواج غير موثقة.

ثالثا: زواج الأشخاص في وضعية إعاقة:

تم تعزيز ضمانات زواج الأشخاص في وضعية إعاقة، وذلك لضمان حماية حقوقهم وعدم استغلالهم.
كما تمت مراجعة الإجراءات الشكلية والإدارية المطلوبة لتوثيق عقد الزواج، لتسهيل عملية الزواج على هذه الفئة.

رابعا: زواج المغاربة المقيمين بالخارج:

تم السماح بإمكانية عقد الزواج بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج دون حضور الشاهدين المسلمين، في حال تعذر ذلك.
ويهدف هذا التعديل إلى تسهيل إجراءات الزواج على المغاربة المقيمين في الخارج، الذين قد يواجهون صعوبات في إيجاد شهود مسلمين.

خامسا: أهمية هذه التعديلات:

تتجلى أهمية هذه التعديلات في ما يلي:
-تهدف هذه التعديلات إلى تنظيم إجراءات الخطبة والزواج بشكل أكثر وضوحًا.
-تهدف إلى حماية حقوق جميع الأطراف المعنية، وخاصة الأشخاص في وضعية إعاقة والمغاربة المقيمين بالخارج.
-تهدف إلى تبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بالزواج.

الفقرة الخامسة: الطلاق والتطليق:

أولا:تقليص مدة البت في قضايا الطلاق والتطليق:

تم تحديد مدة أقصاها ستة أشهر للبت في قضايا الطلاق والتطليق.
ويهدف هذا التعديل إلى تسريع الإجراءات القانونية، وتخفيف العبء على المحاكم، وتقليل معاناة الأطراف المتنازعة.

ثانيا: استخدام الوسائل الإلكترونية:

تم السماح باستخدام الوسائل الإلكترونية لتوثيق العقود وتبليغ القرارات القضائية.
ويهدف هذا التعديل إلى تبسيط الإجراءات، وتسهيل التواصل بين الأطراف والمحاكم.

ثالثا: إنشاء هيئات للوساطة والصلح:

تم إنشاء هيئات للوساطة والصلح لمعالجة النزاعات الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء.
وتهدف هذه الهيئات إلى ما يلي:
-تشجيع الحوار والتفاهم بين الأطراف.
-إيجاد حلول ودية للنزاعات.
-تخفيف العبء على المحاكم.
يعد هذا التعديل مهما جدا وذلك لأنه يتيح للأسر فرصة لإيجاد حلول لمشاكلهم قبل اللجوء إلى الطلاق، وذلك للحفاظ على تماسك الاسر.

رابعا: أهمية هذه التعديلات:

تتجلى أهمية هذه التعديلات فيما يلي:
-تهدف هذه التعديلات إلى تبسيط إجراءات الطلاق والتطليق، وتخفيف العبء على المحاكم.
-تهدف إلى تعزيز ثقافة الوساطة والصلح في حل النزاعات الأسرية.
-تهدف إلى مواكبة التطورات التكنولوجية، واستخدام الوسائل الإلكترونية في الإجراءات القانونية.
توضيح: كل هذه المستجدات مجرد مقترحات لم تدخل حيز التنفيذ.