ملخص مناهج العلوم القانونية والإجتماعية

لائحة المراجع المعتمدة:
-مناهج العلوم القانونية والإجتماعية للدكتور جميل حمداوي والدكتور عماد أبركان.
-مناهج البحث العلمي للأستاذ عبد الرحمن بدوي.
-يوسف عبد الأمير طباجة: منهجية البحث، تقنيات ومناهج.
-عمار عوابدي: مناهج البحث العلمي وتطبييقاتها في ميدان العلوم القانونية.

الفقرة الأولى: العلوم الإجتماعية:

أولا: نشأت العلوم الإجتماعية:

يعتبر مفهوم العلوم الإجتماعية في بعض المجتمعات من الأمور التي تتسم بالغموض وعدم وضوح الرؤية، ومع ذلك يمكن تعريفها بأنها ذلك الحقل المعرفي الذي يهتم بدراسة تفاعلات الأفراد الإجتماعية في ما بينهم في شتى المجالات أو مع جماعات أو مؤسسات أو الدولة كما أنه لا يمكن تصور الإنسان وحده أو المجتمعات دون بشر،لقد مرت نشأة العلوم الإجتماعية عبر سلسلة من التركمات ابتداء من الحضارات القديمة مرورا بالتراث الإغريقي والإسهامات الرومانية والإسلامية وصولا إلى عصر النهضة الذي استفاد من الماضي ليكسب دفعة منهجية قوية تسببت في نقل العلوم من علوم فلسفية إجتماعية إلى علوم إجتماعية تتميز بالتفسير والتحليل. ولقد أدى هذا إلى ظهور علم الإجتماع في عصر ما يسمى بالتنوير فنشأت بذلك مدارس أكاديمية تعتمد تقنيات في البحث الإجتماعي وفي عصرنا الحاضر أصبحت العلوم الإجتماعية ضرورية وهامة وجب إحترامها.

ثانيا:أمثلة من العلوم الإجتماعية:

1-علم الانتروبولوجيا:

هو علم يهتم بدراسة الإنسان والظواهر المتعلقة به وينقسم هذا العلم الى صنفين الإنتروبولوجيا الطبيعية وتهتم بدراسة التطور البشري والأجناس البشرية ومكونات جسم الإنسان كعلم التشريح ووظائف أعضاء الانسان.
والإنتروبولوجيا الثقافية ويهتم هذا الصنف بدراسة الثقافات السابقة والحالية حيث تهتم بالملبس واللغة والأدوات والعمران.

2-علم السياسة:

يعتبر علم السياسة من أهم العلوم الاجتماعية نظرا لأهميته في العديد من المجالات ودوره في تطور الشعوب ويتضمن مجموعة من التخصصات المختلفة وتعتبر أمريكا من الدول الرائدة في هذا المجال منذ نهاية القرن19 م حيث قامت بإنشاء جامعات ومعاهد متخصصة في دراسته وعندما تكون الدولة محور علم السياسة فإن مفهوم هذا الاخير ينحصر في دراسة الامور المتعلقة بالدولة من حيث نشأتها وتطورها والسلطات التابعة لها أما إذا كانت السلطة هي محور علم السياسة فهذا يجعل من السياسة قوة لدفع الاخر للقيام بعمل او الامتناع عن عمل.

3-علم الادارة:

يعتبر علم الادارة من العلوم الحديثة التي تهتم بإدارة الاعمال داخل المؤسسات سواء العامة او الخاصة ويمكن تعريفه بأنه مجموعة من المبادئ والقواعد العلمية التي تهتم باستخدام الموارد من قبل المؤسسات بالطريقة المناسبة وهذا العلم يعتمد بالأساس على العنصر البشري.

ثالثا:تفسير العلوم الانسانية للظواهر الانسانية:

1-موقف جون بياجي:

يقول بأنه من الصعب تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية لسببين أحدهما أن العلاقة بين الذات والموضوع في العلوم الانسانية يخلق وضعا معقدا، فالانسان هو الدارس لموضوع الدراسة الذي هو الانسان نفسه والسبب الثاني هو أن العالم يعتقد بأنه يملك معرفة قبلية تجعله قادرا على الاستغناء عن التقنيات العلمية.

2-موقف فيلهام دالي:

يعتمد على تصور منهجي للعلوم الطبيعية والانسانية فالعلوم الطبيعة او الحقة تنظر الى الموضوع على أنه ظاهرة خارجية أما العلوم الانسانية فتتعامل مع ظاهرة حية لا يمكن تجزئتها.

3-موقف ميرلوبوني:

يقول بأنه لا يجب النظر الى الانسان باعتباره موضوعا للعلوم الطبيعية أو الانسانية، فالذات هي المصدر الحقيقي للعالم المادي فلو غابت الذات فإن العالم يفقد أبعاد وجهات، وبهذا فالوقع يوجد انطلاقا من الذات.
خلاصة القول:
-العلوم الطبيعية ساعدت العلوم الإنسانية على تطوير نفسها.
-إشكالية الموضوعية ليست تشكيكا في قيمة العلوم الإنسانية، بل نقاش إبستمولوجي لإغنائها.
-الصعوبات تكمن في طبيعة الظاهرة الإنسانية المعقدة والمتغيرة والواعية.
-غياب القطيعة بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية.

رابعا:مراحل تطور المعرفة الانسانية:

1-التفكير الخرافي:

يقصد بالتفكير الخرافي تقديس زعماء القبائل والكهنة والسحر وكل من كان يدعي أن لديه قدرات خارقة وعلاجية وهذا تسبب في عدم بلوغ المعرفة العلمية الصحيحة.

2-نظرة الإتجاه المثالي للعلم:

هذا النوع من التفكير يتميز بالإيمان المطلق بالمعتقدات والديانات وبكونها المصدر الفعلي للمعرفة ومن أبرز رواد هذا الاتجاه أفلاطون ،ولقد كرست الكنيسة حصر المعرفة والعلم في أبعاد دينية حيث ساهمت في تكريس الجمود الفكري عن طريق اضطهاد العلماء.

3-نظرة الإتجاه المادي للعلم:

يرى هذا التيار أن المعرفة تستمد من الوجود المادي أي الإتصال المادي بالطبيعة، فالمعرفة حسب هذا الاتجاه ماهي إلا حلول للمشاكل التي يطرحها الواقع العلمي.

4-نظرة الإسلام للعلم:

فلقد أعطى الإسلام للعلم قيمته الحقيقية، كما أنه وازن بين الطابع المادي للعلم وبين المعتقدات الدينية الغيبية فأعطى لكل ذي حق حقه ومستحقه وشجع على العلم وكسبه بالطرق المختلفة.

الفقرة الثانية: ماهية مناهج البحث العلمي:

أولا: تعريف المنهج:

1-المنهج لغة:

هو الطريق أو النظام كما يعني الكيفية أو طريقة تعليم شيء معين وفقا  لبعض المبادئ بصورة مرتبة ومنظمة.

2-المنهج إصطلاحا:

هو فن التنظيم الصحيح لسلسلة الأفكار العديدة إما من أجل  الكشف عن الحقيقة حيث نكون بها جاهلين أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حيث  نكون بها عارفين.
وعرف الدكتورعبد الرحمان بدوي المنهج بأنه الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة مجموعة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل التي تحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة.
وعرف قاموس ربيير المنهج بأنه مجموعة من الوسائل  والإجراءات التي يسلكها العقل للكشف والتدليل على الحقيقة في العلوم.
وعرف كرافيتيز المنهج بالمعنى الفلسفي بأنه مجموعة من القواعد المستقلة عن أي بحث أو مضمون  خاص يحيل بالأساس إلى عمليات وأشكال من التفكير تجعل الواقع المراد إدراكه  سهل التناول.

ثانيا: مفهوم علم المناهج:

عمل الفلاسفة الغربيون على تأسيس علم المناهج كعلم مستقل قائم بذاته، له أسسه ومبادئه.
وأهم ما يميزه هو أن كل العلوم تسعى للتقرب منه باعتباره المحدد الأول لأي معرفة من المعارف.
ويعرف علم المناهج بأنه العلم الذي يبحث في مناهج البحث العلمي والطرق العلمية التي يكتشفها ويستخدمها العلماء والباحثون من أجل الوصول للحقيقة.
وقد استخدمت كلمة علم المنهجية أو علم المناهج لأول مرة على يد الفيلسوف كانت عندما قسم المنطق إلى قسمين وهما:
=مذهب المبادئ: الذي يبحث في الشروط والطرق الصحيحة للحصول على المعرفة.
=مذهب المناهج: الذي يهتم بتحديد الشكل العام لكل علم وتحديد الطريقة التي يتكون بها كل علم من العلوم.

ثالثا: تكوين علم المناهج:

قال كلود برنار في كتابه المدخل لدراسة الطب التجريبي أن المناهج لا يمكن أن تدرس نظريا كقوانين نظرية، فهي تتكون داخل ميدان البحث والعمل، فالباحث لا يجب أن يتقيد بمنهج ومذهب فلسفي معين أثناء القيام بأبحاثه العلمية.
أما الدكتور عبد الرحمان بدوي فيرى ضرورة وحتمية تكامل وتعاون وتسانُد كل من العالم المتخصص والفيلسوف المنطقي في تكوين المناهج وعلم المناهج.
ما أجمع عليه المختصون في هذا المجال أن عملية تكوين مناهج البحث العلمي وعلم المناهج عملية يشترك فيها العالم المختص والفيلسوف المنطقي بصورة تكامل وتساند وتعاون.
فالعالم المتخصص يقوم في المرحلة الأولى ببيان المنهج الذي اكتشفه واتبعه في بحوثه ودراسته، الدراسة العلمية المتخصصة في إطار علم من العلوم، ثم يقدم تقريرا أو أطروحة أو مقالا عن ذلك، ثم يأتي عالم آخر أوسع علما وذو عقلية تأملية شمولية وعامة، ليقوم بعملية المراقبة والتنسيق بين التقارير والنتائج التي توصل إليها العلماء المتخصصون في مختلف فروع العلوم.
ومنه نصل إلى أن كافة المناهج العلمية صالحة لكافة العلوم، وليس هناك تخصيص للمناهج. ويمكن استخدام كافة المناهج العلمية في بحث علمي واحد في نطاق علم واحد، وهذا من شأنه منح بحث علمي كامل وشامل وذو براهين قوية.

رابعا: مدى إمكانية إخضاع العلوم الإنسانية للمنهج العلمي:

لم يقبل العلماء فكرة تطبيق المنهج العلمي على العلوم الإنسانية بسهولة، نظرا لخصائصها المتنوعة والمتمثلة فيما يلي:
=الظواهر الإنسانية معقدة ومتشابكة.
=الظواهر الإنسانية حركية وسريعة التغيير والتفاعل.
=فقدان التجانس بين الظواهر السلوكية الإنسانية.
=صعوبة استخدام الظاهرة الإنسانية في المختبر العلمي.
=غياب الموضوعية عند دراسة الظاهرة الإنسانية.
من أجل تذليل هذه الصعوبات التي تعيق إخضاع العلوم الإنسانية للمنهج العلمي طرح علماء العلوم الإنسانية قاعدتين هما:
-اعتبار الظواهر الإجتماعية أشياء عند دراستها، فالشيء هو كل ما يصلح أن يكون مادة للمعرفة، بالتالي تصبح الظواهر الإجتماعية قابلة للإدراك خارج ذاتية الباحث.
-استبعاد كل العوامل النفسية التي تبعث في نفس الباحث الشعور بالقهر الإجتماعي.
إضافة إلى ذلك دعا إميل دوركايم إلى عزل الظواهر الإجتماعية عن الفكر وجعلها كيانا قائما بذاته خارج مجال التأثير على الباحث.

الفقرة الثالثة: تصنيف المناهج:

أولا: التصنيف التقليدي لمناهج البحث العلمي:

تم تصنيف مناهج البحث العلمي تقليديا إلى صنفين وهما:

1-التصنيف الأول:

المنهج التحليلي، المنهج التركيبي، المنهج التحليلي الاكتشافي أو منهج الاختراع (هدفه اكتشاف واختراع الحقائق بهدف تعليمها ونشرها للآخرين)، المنهج التركيبي أو التأليفي (هدفه تركيب وتأليف الحقائق).
ما يعاب على هذا التصنيف أنه ناقص، لأنه يتحدث عن الأفكار فقط ولا يشمل القوانين والظواهر، كما أنه لا يصلح لكافة فروع العلم والمعرفة.

2-التصنيف الثاني:

المنهج التلقائي (وهو المنهج الذي يسير فيه العقل سيرًا طبيعيًا نحو المعرفة أو الحقيقة دون تحديد سابق للأساليب والقواعد).
المنهج العقلي التأملي (هو المنهج الذي يسير فيه العقل والفكر في نطاق أصول وقواعد منظمة من أجل اكتشاف الحقيقة أو الحصول على المعرفة).
هذا التصنيف يعاب عليه تحدثه عن طرق ووسائل الحصول على المعرفة والشروط العقلية العلمية وليس مناهج البحث العلمي كمناهج لها أصول وقوانين.

ثانيا: التصنيف الحديث لمناهج البحث العلمي:

1-تصنيف الفقيه ويتني:

رتب الفقيه ويتني المناهج العلمية على النحو التالي: المنهج الوصفي، المنهج التاريخي، المنهج التجريبي، البحث الفلسفي، البحث التنبؤي، البحث الإجتماعي، البحث الإبداعي.

2-تصنيف الفقيه ماكيز:

المنهج الأنثروبولوجي، المنهج الفلسفي، منهج دراسة الحالة، المنهج التاريخي، منهج المسح، المنهج التجريبي.
ما يلاحظ على هذه التصنيفات أن أصحابها بالغوا في تحديد مناهج البحث العلمي، فقد أقحموا بعض أنواع البحوث العلمية وطرق الحصول على المعرفة والثقافة.
وعموما هناك مناهج أصلية وأخرى فرعية متفق عليها من طرف المختصين في علم المناهج وهي:
=المناهج الأصلية وهي: المنهج الإستدلالي، المنهج التاريخي، المنهج التجريبي، المنهج الجدلي.
=المناهج الفرعية وهي: المنهج الوصفي، المنهج الإحصائي.

ثالثا: المناهج العلمية الأصلية أو الأساسية:

1-المنهج الإستدلالي وتطبيقاته في مجال العلوم القانونية:

أ-مفهوم المنهج الإستدلالي:
الإستدلال هو البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها ويسير إلى قضايا تنتج عنها  بالضرورة ,دون الإلتجاء إلى التجربة وهذا السير قد يكون بواسطة القول أو بواسطة الحساب.

ب-مبادئ الإستدلال:
قد قسم رجال المنطق القدماء مبادئ الإستدلال إلى ما يلي:
ـالبديهيات:
البديهية هي قضية بينة بنفسها, وليس من الممكن البرهنة عليها, فهي  صادقة بلا برهان.   ـالمسلمات:
المسلمات أقل يقينية من البديهيات ولكن يصادق على صحتها  ويسلم بها تسليما بالرغم من عدم بيانها بوضوح للعقل ولكن نظرا لفائدتها المتمثلة  في إمكانية استنتاج منها العديد من النتائج دون الوقوع في تناقض.
ـالتعريفات:
يراد بها التعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة يجمع من خلاله كل صفات الشيء ويمنع دخول صفة أو خصائص خارجة عنه حيث يصبح التعريف جامعا مانعا.

ت-أدوات الإستدلال:
-البرهان:
وهو عملية منطقية تنطلق من قضايا أولية صحيحة إلى قضايا ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية خالصة.
-القياس:
وهو عملية أو قضية عقلية منطقية، تنطلق من مقدمات مسلم بها وصولا إلى نتائج غير مضمون صحتها.
ـالتجريب العقلي:
هو قيام الباحث داخل عقله بكل الفروض والتجارب التي  يعجز عن القيام بها في الخارج.

ج-تطبيق المنهج الإستدلالي في مجال العلوم القانونية:  
المنهج الإستدلالي يعد من بين المناهج الأساسية التي تعتمد عليها الدراسات القانونية على وجه الخصوص في مجال القضاء والتشريع من خلال استخدام أدوات القياس  لحل النزاعات والتوصل إلى نتائج صائبة.

2-المنهج التاريخي وتطبيقاته في مجال العلوم القانونية:

أ-مفهوم المنهج التاريخي:
عرف المنهج التاريخي عدة تعريفات عامة وخاصة، منها التعريف العام الذي يقول صاحبه بأن المنهج التاريخي هو:
الطريقة التاريخية التي تعمل على تحليل وتفسير الحوادث التاريخية، كأساس لفهم المشاكل المعاصرة، والتنبؤ بما سيكون عليه المستقبل.   
ومنها التعريف التالي الذي يتميز بنوع من الدقة:"المنهج التاريخي هو وضع الأدلة المأخوذة من الوثائق والمسجلات مع بعضها بطريقة منطقية، والإعتماد على هذه الأدلة في تكوين النتائج التي تؤدي إلى حقائق جديدة، وتقدم تعميمات سليمة عن الأحداث الماضية أو الحاضرة أو على الدوافع والصفات الإنسانية".
ويمكننا القول أن المنهج التاريخي هو منهج بحث علمي، يقوم بالبحث والكشف عن الحقائق التاريخية، من خلال تحليل وتركيب الأحداث والوقائع الماضية المسجلة في الوثائق والأدلة التاريخية، وإعطاء تفسيرات وتنبؤات علمية عامة في صورة نظريات وقوانين عامة وثابتة نسبيا.

ب-مراحل أو خطوات المنهج التاريخي:
المرحلة الأولى: اختيار الموضوع وتحديد المشكلة العلمية التاريخية:
يتضمن ذلك تحديد المشكلة أو الفكرة العلمية التاريخية التي تدور حولها التساؤلات والإستفسارات التاريخية. وهذا التحديد يحفز عملية البحث التاريخي، ويسعى إلى إيجاد إجابات علمية ثابتة لهذه التساؤلات.
المرحلة الثانية: جمع وحصر الوثائق التاريخية:
بعد تحديد المشكلة، تأتي مرحلة جمع الحقائق والوقائع المتعلقة بها. ويتم ذلك من خلال حصر وجمع المصادر والوثائق والآثار والتسجيلات المتصلة بعناصر المشكلة. مع ضرورة دراسة وتحليل هذه الوثائق بطريقة علمية للتأكد من صحتها وسلامة مضمونها.
ونظرا لأهمية هذه المرحلة، يطلق البعض على المنهج التاريخي اسم "منهج الوثائق"، حيث تعتبر الوثائق التاريخية جوهر هذا المنهج.
الوثيقة لغة: الأداة والبينة المكتوبة الصحيحة والقاطعة في الإثبات.
الوثيقة اصطلاحا: جميع الآثار التي خلفتها أفكار البشر القدماء.
الوثائق أوسع من النص المكتوب، حيث تشمل كافة المصادر والأدلة والشواهد التاريخية، سواء كانت أصيلة وأولية أو ثانوية وتكميلية، مكتوبة أو غير مكتوبة، رسمية أو غير رسمية، مادية أو غير مادية، والتي تتضمن تسجيلا لحوادث ووقائع تاريخية، أو لأجزاء منها، ويعتمد عليها في البحث والتجريب للوصول إلى الحقيقة التاريخية المتعلقة بالمشكلة موضوع الدراسة.
المرحلة الثالثة: نقد الوثائق التاريخية:
بعد جمع الوثائق التاريخية، تأتي مرحلة فحص وتحليل هذه الوثائق تحليلا علميا دقيقا. ويتم ذلك باستخدام كافة أنواع الإستدلالات والتجريب للتأكد من أصالة وهوية وصدق هذه الوثائق.
وتعرف عملية التقييم والفحص والتحليل هذه بعملية النقد، وينقسم النقد إلى نوعين:
النقد الخارجي والنقد الداخلي.
النقد الخارجي للوثائق التاريخية يهدف إلى التعرف على هوية وأصالة الوثيقة، والتأكد من صحتها، وتحديد زمان ومكان وشخصية مؤلف الوثيقة، وترميم أصلها إذا طرأت عليها تغيرات، وإعادتها إلى حالتها الأولى.
النقد الداخلي للوثائق التاريخية ويتم من خلال تحليل وتفسير النص التاريخي والمادة التاريخية، وهو ما يعرف بالنقد الداخلي الإيجابي، وإثبات مدى أمانة وصدق الكاتب ودقة معلوماته.

ت-تطبيق المنهج التاريخي في مجال العلوم القانونية:
المنهج التاريخي يقوم بدور حيوي في مجال الدراسات القانونية، التي تتمحور حول الوقائع والأحداث. فبواسطة المنهج التاريخي يمكن معرفة الحقائق العلمية التاريخية عن أصل وأساس وغاية القانون، في كافة مراحل وعصور التاريخ الإنساني وذلك بطريقة علمية صحيحة. وتزداد أهمية هذا المنهج في الدراسة القانونية عندما نعلم أن معظم الأفكار والدراسات والأبحاث القانونية ترجع في أصول وجذور أبحاثها إلى المنهج التاريخي.

3-المنهج التجريبي وتطبيقاته في مجال العلوم القانونية:

أ-مفهوم المنهج التجريبي:
المنهج التجريبي هو تغيير متعمد ومضبوط وفق الشروط المحددة لواقعة معينة، وملاحظة التغييرات الناتجة في هذه الواقعة ذاتها وتفسيرها. فهو يقوم أساسا على أسلوب التجربة العلمية، حيث تكشف عن العلاقات السببية بين المتغيرات المختلفة، وتتفاعل مع القوى التي تحدث في الموقف التجريبي.

ب-مميزات المنهج التجريبي:
=يعتبر المنهج التجريبي من أقرب المناهج للطريقة العلمية.
=أنه منهج علمي خارجي حيث يعتمد على التجربة الخارجة عن العقل.
=يعتبر من المناهج الموضوعية، أي النتائج المتحصل عليها عن طريق التجربة تفرض نفسها على العقل حتى وإن كانت تتعارض مع رغبة الباحث وميوله النفسي.
  
ت-أسس المنهج التجريبي ومراحله:
ينبني المنهج التجريبي على ثلاث مقومات أساسية هي الملاحظة، الفرضية العلمية، والتجربة.   
المرحلة الأولى: الملاحظة أو المشاهدة العلمية:
الملاحظة العلمية هي الخطوة الأولى في البحث العلمي، وهي المحرك الأساسي لبقية العناصر.
والملاحظة بالمعنى العام هي الإنتباه العفوي إلى حادثة أو واقعة أو ظاهرة دون قصد. أما الملاحظة العلمية فهي المشاهدة الحسية المقصودة والمنظمة والدقيقة، للحوادث والأشياء والظواهر، بغية اكتشاف أسبابها وقوانينها ونظرياتها.   
ويشترط في الملاحظة العلمية أن تكون الملاحظة كاملة أي يجب على الباحث أن يلاحظ كافة العناصر التي لها صلة بالموضوع أو الظاهرة، ويجب أن تكون الملاحظة العلمية، نزيهة وموضوعية ومجردة ولا تتأثر بفرضيات وأحاسيس سابقة، كما يجب أن يكون الملاحظ مؤهلا وقادرا ومختصا وعالما.
المرحلة الثانية: الفرضية العلمية:
الفرضية لغة هي التخمين أو الإستنتاج. واصطلاحا تعني التفسير المؤقت لوقائع وظواهر معينة لا تزال بمعزل عن الإمتحان، وبعد امتحانها، تصبح قوانين تفسر الظاهرة.
المرحلة الثالثة: التجربة:
بعد عملية إنشاء الفرضية تأتي عملية التجربة على الفرضيات لإثبات مدى سلامتها وصحتها.

ج-نطاق تطبيق المنهج التجريبي في مجال العلوم القانونية:
تم تطبيق المنهج التجريبي في العديد من الدراسات القانونية، حيث برز ذلك في مجالات قانونية عديدة كعلاقة القانون بالبيئة الإجتماعية، وعلاقة القانون بالسلطة، كما ازدهر استخدام المنهج التجريبي في مجال العلوم الجنائية بعدما تم اكتشاف حتمية العلاقة والتكامل بين العلوم الجنائية وعلم النفس الجنائي، وعلم الإجتماع القانوني وعلم الطب النفسي وعلم الطب العيادي وعلم الوراثة.
يعتبر قانون المسطرة الجنائية وقانون التنظيم القضائي والقانون الجنائي والقانون الإداري أكثر العلوم القانونية قابلية لتطبيق المنهج التجريبي، نظرا لطبيعتهم الخاصة وارتباطهم بالواقع.

4-المنهج الجدلي وتطبيقاته في مجال العلوم القانونية:

أ-تعريف المنهج الجدلي:
يقوم المنهج الجدلي على أساس فكرة تقول أن كل الأشياء والظواهر والعمليات والحقائق الطبيعية، والإجتماعية والإقتصادية والسياسية هي دائما في حالات ترابط وتشابك وتداخل ودائما في حالات صراع وتناقض.
وهو منهج قديم من عهد الإغريق في فلسفته وأسسه، وتم بناؤه كمنهج علمي لدراسة وتحليل الحقائق والأشياء والظواهر والعمليات حديثا على يد الفيلسوف الألماني هيجل الذي اكتشف قوانين هذا المنهج المتمثلة في قانون تحول التبادلات الكمية إلى نوعية، وقانون وحدة وصراع الأضداد، وقانون نفي النفي. غير أن الفيلسوف فورباخ انتقد النزعة المثالية عند هيجل ونادى بضرورة اتسام واتصاف الديالكتيك بالنزعة المادية كي يصبح موضوعيا وواقعيا وعلميا. وبعد ذلك قام كارل ماركس بإعادة صياغة الديالكتيك صيغة مادية علمية عملية حيث أبقى على كل نظرياته وأسسها إلا أنه نزع منها الطبيعة المثالية.   
ويتميز المنهج الجدلي بخصائص أساسية تتمثل في:
=يعتبر من المناهج العلمية الموضوعية.
=هو منهج عام وشامل يكشف معرفة وتعريف كافة الظواهر والعمليات العلمية، النظرية والطبيعية والإجتماعية والسياسية والتنظيمية.
   
ب-تطبيق المنهج الجدلي في مجال العلوم القانونية:
في مجال العلوم القانونية قام المنهج الجدلي بدور كبير في اكتشاف وتفسير النظريات والقوانين العلمية والتنبؤ بها، كالقوانين المتعلقة بتفسير أصل وغاية الدولة وأصل وغاية القانون. كما استخدم ماركس هذا المنهج لكشف وتفسير ظاهرة الثورة وظهور دولة البروليتاريا والتفسير المادي الإقتصادي للتاريخ.

ثانيا: المناهج العلمية الفرعية:  

طرح نقاش فكري حول مسألة المناهج العلمية هل كلها أصلية أم هناك مناهج علمية فرعية؟ وحول هذا السؤال هناك من يعتبر المنهج الوصفي والمنهج المقارن والمنهج الإحصائي مجرد أدوات بحث، لأنها لا ترقى إلى درجة المنهج العملي.
وسنتحدث عن هذه المناهج كما يلي:   

1-المنهج الوصفي وتطبيقاته في مجال العلوم القانونية:

يتعدى المنهج الوصفي مجرد وصف الظاهرة إلى تحليل البيانات واستخراج الإستنتاجات ذات الدلالة والمغزى بالنسبة لمشكلة البحث.
ويعتمد المنهج الوصفي على مناهج فرعية تتمثل في المنهج المسحي ونهج دراسة الحالة والمنهج المقارن.

أ-المنهج المسحي ودوره في الدراسات القانونية القانونية:
عرفه وينتي بأنه محاولة منظمة لتحليل وتأويل الوضع الراهن لنظام اجتماعي.
وعرفه مورس بأنه منهج لتحليل ودراسة موقف أو مشكلة وذلك باتباع طريقة عملية منظمة.   
المسح يكون دائما لدراسة موضوع ما في الحاضر.   
=مراحل المسح هي: مرحلة تعريف البيئة وبيان حدودها، ومرحلة الوصف الدقيق ومرحلة التحليل وإيجاد العلاقة السببية بين مختلف العوامل المختلفة.
هناك عدة أنواع من المناهج المسحية منها: المسوح الوصفية، المسوح التفسيرية، المسوح الشاملة، المسوح بالعينة، وهناك المسوح العامة والمسوح المختصة.   
أول من استخدم المنهج المسحي في العلوم القانونية هو جون هوارد حيث قام بمسح اجتماعي للوقوف على حالة المسجونين وقدم نتائج البحث لمجلس العموم البريطاني، الذي أصدر تشريعات ترمي لإصلاح السجون وحالة المسجونين في إنجلترا.
  
ب-منهج دراسة الحالة ودوره في الدراسات القانونية:
دراسة الحالة تتناول الموضوع عموديا، عكس الدراسة المسحية التي تتناوله أفقيا.
ولدراسة الحالة نتبع الخطوات التالية:
-تصميم العينة من خلال تحديد الحالة المراد دراستها.
-ثم مرحلة دراسة العينة وتتم عن طريق التاريخ الشخصي للحالة (الوقوف عند كل الحوادث التي مرت بالمبحوث من جهة نظره، ويتم ذلك بالإطلاع على مذكراته الشخصية التي كتبها بنفسه)، وتاريخ الحالة (تحصيل المعلومات عن المحيط الذي تعيش فيه تلك الحالة، كالأسرة والمدرسة ومكان العمل...).   
والإجراءات المتبعة في دراسة الحالة هي المقابلة الشخصية، الملاحظة المعمقة، دراسة الوثائق والسجلات المكتوبة لتسجيل كل المعلومات عن الحالة المدروسة.
يطبق منهج دراسة الحالة في مجال العلوم القانونية على وجه الخصوص في العلوم الجنائية. مثلا لمعرفة الدوافع الإجرامية، يجب على الباحث التعمق في دراسة الحالة من أجل بناء نظريات جديدة تفسر السلوك الإجرامي.
   
ت-المنهج المقارن ودوره في الدراسات القانونية:
المقارنة لا تتم إلا بين شيئين متماثلين ولا يمكن أن يكونا متناقضين.
ويعرف المنهج المقارن بأنه ذلك المنهج الذي يعتمد على المقارنة في دراسة الظواهر حيث يبرز أوجه التشابه والإختلاف فيما بين ظاهرتين أو أكثر.   
استخدام المنهج المقارن في العلوم القانونية حل محل التجربة المستخدمة في العلوم الطبيعية. وعليه فالدراسات القانونية لا تخلو من المنهج المقارن وذلك أن النظام القانوني، لا يمكن اكتشاف ما فيه من نقص وفراغ إلا من خلال مقارنته بنظم قانونية لدول أخرى.   

2-المنهج الإحصائي ودوره في الدراسات القانونية:

حاول الكثير من المفكرين جعل المنهج الإحصائي علما له قواعد وقوانين. لكن الرأي العلمي الحديث جعل الإحصاء أداة للقياس ومنهجا للبحث يعتمد على الملاحظة، وجمع البيانات ومقارنتها وتفسيرها.

أ-مميزات المنهج الإحصائي:
=يعتبر وسيلة جيدة للتجرد من الذاتية فهو يقربنا من النتائج الحقيقية العلمية بطريقة موضوعية.
=يقدم نتائج البحث بصورة كمية تعبر بشكل دقيق عن الظاهرة المدروسة.

ب-مراحل المنهج الإحصائي:
يمر المنهج الإحصائي بالمراحل التالية:
=تحديد المشكلة موضوع البحث.
=جمع البيانات الإحصائية من المجتمع.
=ترجمة البيانات في شكل جداول ومنحنيات بيانية.
=تصنيف البيانات. تحليل البيانات.
=استخلاص النتائج القابلة للتعميم.